زاوية الشيخ سيدي العربي بن عبد الله الهوارية ووقعها على المقاومة بجبال الأطلس الكبير الشرقي / بقلم: لحسن أيت الفقيه

resizedimageيعد «الشيخ سيدي العربي بن عبد الله الهواري » باعثا الزاوية الأصلية ومجددها زاوية سيدي محمد [فتحا] الهواري (ورد في بعض المصادر باسم سيدي محمد ضما)، وهو أول دفين قصر (دوار) الزاوية، الكائن على الضفة اليمنى لواد فركلا. قدم من وهران لينزل الجنوب الشرقي المغربي، صحبة عرب الصباح [ بصاد وباء مضعفتين مفتوحتين]، فأسس قرية إگلي، ودشن موضعا للاعتكاف والتعبد بجبل إگلي. مكث هناك غير بعيد إلى أن هاجمت قبيلة أيت عطا عرب الصباح، فغضب الشيخ، وخرج من قرية إگلي ناويا الرحيل إلى السمارة، لكن سكان قصر (دوار) أيت معمر رحبوا به واستجاب لدعوة الإقامة بين ظهرانيهم في أرضهم، ومكنوه بدعمه بأرض يحرثها يوم كان واد أفركلا يمهر باستمرار. وتوفي سنة 933 هجرية، التي توافق، في الغالب، سنة 1527 ميلادية.

نتوافر على إشارة انفتاح الشيخ سيدي العربي بن عبد الله الهواري على طرق ترد كلها من الشاذلية. وقامت زاوية سيدي  العربي بن عبد الله الهوارية بعدة أدوار أهمها تأسيس فروع أخرى تضاهي هذه الزاوية من ذلك زاوية سيدي محمد العربي بتيزگاغين بواد أفركلا، وزاوية سيدي أوسيدي بتيلمي بمنطقة إملشيل، والتي ينحدر منها  المقاوم سيدي بنحماد، وزاوية باسيدي بأكدال بإملشيل وزوايا أخرى.

والزاوية الدرقاوية لا تطمع في السلطان بقدر ما تقاوم دفاعا عن المجال وسلف أن وقفت صحبة الصديق  باسو وجبور في كتاب «إملشيل الذاكرة الجماعية» حول ما إذا كان سكان أيت حديدو قد شاركوا في معركة تزگزاوت ضد المستعمر الفرنسي وأفصحنا أن قبيلة أيت حديدو لم تشارك في تلك المعركة، ذلك أن الذين شاركوا فيها من سكان ايت حديدو يمثلون أنفسهم ولا يمثلون القبيلة. فالقبيلة رفضت المشاركة في تلك المعركة لأنها مدعمة من لدن الزاوية الدلائية (أيت اسحاق) ومعلوم عن الزاوية الدلائية أنها تبتغي ممارسة السلطة. وأما قبيلة أيت حديدو فترفض توظيف الدين في السياسة، ولا يعني ذلك أن قبيلة أيت حديدو ترفض المتصوفة والتصوف. فالكرماء (إگرامن) القاطنين بين ظهرانيها (أيت سيدي، وأيت رزقي) هم كرماء السلوك (التصوف السلوكي) والقيم التي يتبنونها قيم أمازيغية. فـ (تيـگورما) أي التصوف بالأمازيغية، كان تصوفا سلوكيا، قبل أن ينتقل إلى التصوف الفلسفي والتصوف الطرقي. ولكي يكون الإنسان مريدا متصوفا (أكرام Agourram) عليه أن يحرم نفسه من اللذات بشتى أنواعها. فالمتصوف السلوكي بقبيلة أيت حديدو لن يكون كذلك حتى يلتزم الحياد السلوكي، وآنذاك يسمح له باستغلال الأرض وبزواج إحدى بنات  أيت حديدو. فالزواج لدى أيت حديدو يقوم على أسس ثقافية معينة تتناسب والمجتمع المغلق. فلا يسمح بالزواج اللاعشائري في قبيلة أيت حديدو، إلا في حال استيعاب كل النسق الثقافي للقبيلة وتبنيه.

ولم تقتصر المقاومة التي تزعمها المتصوفة على غاية الدفاع عن المجال الوظيفي بل إرضاء للضمير المتأثر بالتصوف الطرقي. فالمعارك ضد المستعمر الفرنسي طالما تكون ابتغاء الاستشهاد والجهاد في سبيل الله. يقول الشاعر بصدد المقاومة بجبل بادو:

Tella ljent g baddu tunf ar atvar

I yits mi iktab ag gigs msanghan

معناه:

الجنة، هناك بجبل بادو،مفتوحة أبوابها

للبعض الذين كتب لهم الاستشهاد

وقال شاعر آخر في ما يتعرض له جبل بادو من قصف بالمدفعية والرصاص:

N samhac a baddu samhi rezmi

Nekk ay dac ttigan a yegh lkurr

تفسيره:

سامحتك يا جبل بادو فسامحني واطلق سراحي.

هذا ما جنيته عليك وبثت تحت القصف بالقنابل.

وقال الشاعر موحى أوناصر عن استسلام أيت حديدو فوق جبل بادو:

وعلى سبيل الاستشهاد فقط، كانت فرقة أيت حديدو قد رابطت في شعبة أقانتازاغت إلى حدود 8 غشت 1933. وقد ساعد قبيلة أيت حديدو على الصمود شقيق شريف تيلمي سيدي بن احماد. وحسب الرواية الشفوية فقد قتل سيدي بن أحماد بترغيست بمنطقة أنفكو قبيل معركة بادو بأسابيع. ولم تخمد معركة بادو إلا بعد مضي 50 يوما من القتال المستمر. وسنفصل القول في شخصية المقاوم سيدي بن احماد في الفقرات أسفله نقلا عن كتابنا«إملشيل: الذاكرة الجماعية»، مبتغين من وراء ذلك الوقوف عند دور الزاوية الدرقاوية زاوية الشيخ سيدي العربي بن عبد الله الهوارية.

سيدي بن احماد نايت سيدي كما يتبين من اسمه عظيم قبيلة أيت حديدو من شتى الجوانب.  فهو الزعيم الحربي لخوضه معارك كثيرة ضد الخميس الاستعماري الفرنسي بأرض إملشيل، وكان النصر حليفه على الدوام. شارك في تافيلالت إلى جانب المدعو مولاي امحمد، ومحمد بلقاسم النـگادي ابتداء من معركة البطحاء سنة 1922 ومعركة زاوية سيدي بوكيل سنة 1922. وخاض معارك بتونفيت لنصرة قبائل أيت علي أوبراهيم التي قاومت الغزو الفرنسي بمنطقة تونفيت حوالي 12 سنة. والتحق ليخوض إلى جانب المقاومين، بمنطقة تيرغيست القريبة من مسقط رأسه تيلمي. ويعد واحدا من أبطال معركة تاوجيمت ن عري. وباختصار فالبطل سيدي بن أحماد قائد حربي بجبهات القتال إلى جانب شقيقه سيدي المقدم زعيم القيادة السياسية وصاحب الخطط والرأي.

لم يتردد البطل سيدي بن أحماد في تحريض أيت حديدو على القتال ومواجهة جيوش الاستعمار. ولقد قال في ذلك الشأن قولا مشهورا: « لو خيرني أحد بين قبول الاحتلال الفرنسي وبين ذبح أفراد قبيلة أيت حديدو كلهم أجمعين. سأكون أول من يذبح منهم. فالفناء خير من البقاء قوة الاحتلال و الاستكبار والاستعلاء ».

ويعد سيدي بن أحماد زعيما روحيا لاعتناقه التصوف على طريقة زاوية سيدي بويعقوب. وهو زاهد في حياته ناسك متعبد يجاهد نفسه ويكابدها ليقضي على كل نزعة إلى ملذات الحياة الدنيا في نفسه. وهو مرب حكيم رفض الاستعمار لأنه حسب تصريحه سيترك آثاره السلبية على الأجيال اللاحقة، سيشربون الخمر ويلعبون القمار ويحبون المال ولا يدرأون الفساد والتفكك الأخلاقي. ومن الغريب أن سيدي بن أحماد لا يقبل اللقب «سيدي». ويقال عنه أن أحدهم ناداه : «يا سيدي» فأجاب «لا أنا سيدك ولا أنت سيدي الآن. فالسيد الحقيقي في هذا الوضع المتأزم هو من يضع أصبعه على الزناد في جبهة القتال لمحاربة الاستعمار وقوى الاحتلال».

ويقال عنه أيضا أنه واقعي في خططه الحربية مؤمن، باختصار بأن الحرب خدعة. ذلك أنه لما اقترب المستعمر الفرنسي من موقع تيلمي خطط سيدي بن أحماد لمباغثته بناحية تيرغيست بحيث سيعترض أفراد من أيت حديدو سبيله لما يشرع في الإنزال بوسط قبيلة أيت عمرو. وفضل السيطرة على المورد الوحيد للماء لأن إستراتيجية الجيش الفرنسي احتلال موارد المياه قبل السيطرة على النقط العمرانية. وعند ذلك ستهزم جيوش الاحتلال. لكن المقاومين من قبيلة أيت حديدو سألوه أن يدعو ربه أن يهزم جيوش الاحتلال. لذلك نعتهم سيدي بن أحماد بالتعساء ونعت نفسه بكبير التعساء. لماذا ؟ لأن قبيلة أيت حديدو تعتقد فيه الكرامات، الكرامات غير الموجودة وهو ينتظر فيهم الشجاعة، الشجاعة المفقودة.

ولاغرو، فالبطل سيدي بن أحماد قاتل حتى الشهادة حيث استشهد بترغيست. وقيل إنه عندما قتل أمر مسؤول فرنسي بإحضار جثته. فربطها بفوهة المدفعية الثقيلة ليشتتها إلى أشلاء تشويها له على ما فعله بالفرنسيين. وبدل أن تقصف المدفعية وتشتت الجثة انفجرت وقتل من جنود الاحتلال حوالي 12 جنديا وظلت جثة سيدي بن أحماد سليمة. فأمر الضابط الممتاز بدفن الجثة على الطقوس الإسلامية وتم ذلك.

يوجد قبر سيدي بن أحماد بالقشلة قرب تيرغيست. وحدث بعد استشهاد سيدي بن أحماد تأهب قبيلة أيت حديدو لمحاربة المستعمر الفرنسي بجبل بادو وحمدون. ونهب المستعمر الفرنسي كعادته خزانة سيدي بن أحماد وفرض الإقامة الجبرية على سيدي لمقدم مدة 15 سنة إلى أن توفي سنة 1948.

لحسن أيت لفقيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *