الآداب والموقف

hm1
حميد المصباحي (كاتب روائي)

الكاتب ليس شبه بشبيه. ولا كل متراص الأطراف، إنه منذ البداية، تعدد، كما هو
حال الإنسان بشكل عام. فالناس جميعا يفكرون، غير أن فكرهم يختلف، وبذلك، فمجال الفكر، تحضر فيه السياسة، وإن غابت كان ذلك قصدا، وهو في حد
ذاته موقف سياسي، مهما أدعى من حيادية علمية أو معرفية. فهل الأمر كذلك
بالنسبة للاآداب؟؟؟


1_الأدب والأديب


الكتابة الأدبية، سواء كانت شعرا، أو رواية أو قصة، هي إبداعات فنية، تقول
الفكر بجمالية تأثيرية، كلما تعدد بعدها التأويلي، ازدادت جمالية، بحيث أن
المبدع بمجرد ماينتهي منها، يفقد سلطته عليها، يتبرأ منها، لا يصير من
حقه تحليل أبعادها أو الكشف عن خباياها مهما كانت المبررات، هذا
خيار، فنيته واضحة. لكن هناك اتجاه آخر، يريد نيل إعجاب القراء برسالة، يعتبر
فيها الآداب حاملة لرسالة في وجه الظلم والإستعباد وكل أشكال
الدونية، بمعنى أن الأديب، له دوره الإجتماعي فيما يبدع من رموز ودلالات تحمل رسالة. فعليه أن يتماهى مع أدبه، و إلا صار صامتا عما يعني الناس من مواطنيه، أو خائفا على موقعه الإعتباري الرمزي، من خصوم التقدم والتطور.
أنا أعتقد أننا مرغمون على التمييز بين الآداب، في مثل هاته الحالة، والأديب،إذ أبدع، لا أستحضر غايات، غير أدبية وفنية، لكنني في الوقت نفسه لا ألغيها، فأنا كاتب لست معزولا عما يجري اجتماعيا وسياسيا, حتما هناك دلالات سوف تخترقني رغما عني وتعبر عن
نفسها. فانا أنتمي لجماعة ما، وحضارة وحتى طبقة، لكن لا أستطيع تحويل
العمل الأدبي لبيانات سياسية أو صرخات إيديولوجية، لكن في المقابل، أنا
متابع لما يحدث حولي، حيث أجد أخلاقيا نفسي ملزما بتوضيح موقفي من كل
ما يعرفه مجتمعي من تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا أنتظر، بل
أسارع إلى إعلان موقفي وإشهاره علنا، وبذلك أحرق، كما قال بوسريف، كل
أوراقي، حتى لا يراهن علي أحد، حزبا كان أو دولة وساسة، و بذلك لا أكون
أديبا متعاليا على مجتمعه، بل فاعل يميز بين مختلف حقول المعرفة، أنتج
أدبا، أساهم بما يبدو لي جديرا بالقراءة، تأويلا وتوضيحا وحتى نقدا، حامل
لرسالة التقدم والحرية، حامل كالكثير من الأدباء المغاربة، لمعول
التصدي لكل ما هو تقليدي وعتيق، بدون خوف أو توجس. لكن في الوقت نفسه
أبقى مبدعا لقيم الجمال الأدبي،رواية وقصة…، بدون تحامل مكشوف، يصير معه
الأدبي، شعارات وصرخات سياسية. فالقيم الأدبية والجمالية، كما كانت ثورة
على كل البشاعات في القول و الفعل و الحلم.


2_أدبية الأدبي


ليس معناها تكريس دلالة الفن لأجل الفن أو الجمهور يريد، بل أعتقد أنها
اكتشاف للعمق الإنساني بإنتاج رموز جديدة، هي ما يشكل نسيج الوعي
البشري في تعقيداته التي تنتقل من المباشر الطبيعي إلى الرمزي والمتعالي،حضارة وإنسانية عن كل ما هو طبيعي وحيواني في الإنسان. فالشاعر يكشف بالكلمات والمعاني عن الخفي في ابتسامة إمرأة حزينة، والقاص يفجر مفارقات الحدث عندما يكتسب دلالة تتجاوز معنى
الحكاية إلى حكمتها، و الروائي,عندما يعرض بحبكة تعالقات بين كائنات
تشابهت لتختلف في مصير اعتقدت أنه متشابه، فتجد الشخوص، بدل الخضوع لقدر ما، طوعته رغم اعتقادها بضعفها، وبساطتها، فقط لأنها أرادت، والأمثلة
كثيرة. هنا الإنتصار يكون عميقا للإنسانية والإنسان كخالق للمعاني ومشيد باستمرار لرهانات الإضافة، لا التكرار الغبي للمواقف، سواء كانت سياسية عامة أو شخصية مصلحية، تتسول تعاطف الناس والمقهورين.


3_تاريخية الآداب


الفعل الأدبي له تاريخه ورهاناته التي تتفاعل مع الواقع السياسي والإجتماعي، كما أن رسالته لا يمكنها أن تظل كما هي. فبحكم تطور الفكر البشري وتعدد مجالاته واتساع مجالات الفعالية السياسية، بما تعرفه وسائل الإتصال والتواصل من تطورات، أعتقد أن السياسة، لم تعد في حاجة للأديب لكي يحمل إبداعاته ما يفترض في الساسة أن يفعلوه بمختلف آليات
الصراع السياسي و الإيديولوجي.  أعتقد أن مرحلة ربط الآداب والفن بشكل
عام بما هو سياسة لم تعد مطلوبة، كما أن إشعاعية الفعل السياسي وجاذبيته صارت أكثر مقبولية من الكتابة الأدبية. فالساسة راكموا معرفة بمجالات التواصل وبرغماتية القول الإيديولوجي. لكن من حق ممارسي الآداب,تفعيل حركيتهم سياسيا لا أقلامهم وأحاسيسهم النبيلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *