إدريس الكنبوري.. سنوات الرصاص أبعد مما نظن

زمن الخوف

حسن الأشرف

بجرأة، تناقش رواية “زمن الخوف”، الصادرة مؤخّراً، للكاتب المغربي إدريس الكنبوري (1956) اختلافات الأحزاب السياسية المغربية إثر نهاية فترة الاستعمار الفرنسي؛ حيث تستحضر عدداً من الحوادث الدامية التي عرفتها منطقة سوق أربعاء الغرب، وهي المنطقة التي ينحدر منها المؤلّف، بين أنصار “حزب الاستقلال”، وأنصار “حزب الشورى والاستقلال”، وانعكاس تلك الحوادث على العلاقة بين قريتين متجاورتين اختلفتا في اختياراتهما السياسية.
وكمن يريد “حشر” العديد من الثيمات بين دفّتَيْ كتاب واحد، فإن الكنبوري حرص على أن يجد لكثير من المواضيع موطئ قدم في روايته، من قبيل تعرّضه لقضية علاقة الذاكرة بالتاريخ، وأثر الصراعات على السلطة في الأرياف المغربية.
يقول الكنبوري، في حديث إلى “العربي الجديد”، إن “العمل محاولة لاستعادة جزء من الذاكرة الوطنية المنسية في المغرب، من خلال الرجوع إلى حدث تاريخي مفصلي، هو المذبحة الشهيرة في مدينة سوق أربعاء الغرب يوم 23 كانون الثاني/ يناير 1956”.
جدّت هذه المذبحة في مرحلة الاختلاف حول شكل الاستقلال ومضمونه؛ حيث تميّزت بروح الهيمنة والإقصاء التي كان يتصرّف بها “حزب الاستقلال” تجاه حركة المقاومة، والاغتيالات الكثيرة التي حصلت وتمثّلت أبشع صورها في المجزرة الجماعية التي يتحدّث عنها العمل.
بخصوص تجربته مع رواية “زمن الخوف”، يشير الكنبوري إلى أنها تعود إلى مرحلة الطفولة والمراهقة، عندما كان يسمع بعض النتف عنها على لسان والده الذي عايش تلك المذبحة، فعلقت في ذهنه بعض الصور والخيالات، التي تطوّرت في ما بعد لتصبح وعياً تاريخياً.
يبدو أن الرواية جاءت كنوع من الانتصار لمن قُتلوا، من خلال السلطة الرمزية التي تمثّلها الكتابة الأدبية. فإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، كما يُقال، فإن الرواية يستطيع أن يكتبها المهزومون والضحايا، لذلك فالرواية يمكن أن تكون بمعنى من المعاني سلاحاً للذاكرة.

يسجّل الكنبوري بأن عمله هو أول رواية مغربية تتحدّث عن هذه المرحلة، إذ يلاحظ أنه قد كُتب الكثير عمّا يسمى “سنوات الرصاص”، بين نهاية الستينيات ونهاية السبعينيات في عهد الحسن الثاني، ولكن الرواية تشير إلى أن “سنوات الرصاص” في الرواية تبدأ مع مطلع الاستقلال مباشرة.
يتطرّق المؤلّف إلى هذه المرحلة التاريخية، من خلال الحياة اليومية لأبناء قبيلتين متصارعتين، هما بوحزيطات والحشالفة، جمع بينهما الانتساب إلى جد واحد وعشيرة واحدة، لكن فرّقت بينهما السياسة.
أثارت الرواية بعض الجدل؛ حيث اعتبرها بضعهم طعناً في جزء من التاريخ الوطني، وفي حزب عريق بعينه، هو “حزب الاستقلال”. يعتبر الكاتب أن ذلك “ينمّ عن جهل بالتاريخ السياسي للمغرب، فـ “حزب الاستقلال” في الفترة التي تتحدّث عنها الرواية لم يكن هو الحزب نفسه اليوم، بل كان يجمع ثلاثة تيارات سياسية متصارعة، بينها تيار كان يقوده اليساري المهدي بن بركة الذي أسّس عام 1959 الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *