
أعتقد أن منطق الكتابة لا تحدده المقروئية، حتى إن كانت مؤثرة عليه، فهناك حوافز للإبداع الأدبي والفكري، أوجزهما فيما يلي.
1- الدافع الإبداعي
هي حالة تنتاب المبدعين، بحيث يشعرون بالحاجة للتعبير عما يختلج في ذواتهم، صحيح أنها رغبة غير معزولة عن الغير، لكنها لا تصل لمستوى القول، أننا نبدع من أجل الغير، أو نوجد به، فهناك تداخلات عميقة، لا نستطيع حسمها بشكل نهائي. لكن نسبيا أزعم أن للمبدعين دوافعهم التي لا يمكن رهنها بالمقروئية أو المتابعات النقدية، على الأقل أثناء التفكير في الإبداع، أوحتى أثناء الإنخراط في عمليات النشر. لكن فيما بعد تتأثر هذه الدوافع بأخرى لم تكن حاضرة، لكنها ليست العادة، بل هي دوافع أخرى تختلف باختلاف المبدعين، وقد تصير في بعض الحالات تنافسا مع الغير أو حتى الزمن.
2- الدافع الفكري
دافع يعتقد صاحبه أنه اهتدى لجديد كفكرة لم يطرق أبوابها أحد، وعليه واجب الإفصاح عنها. فالكل يعرف أن من يحجب فكرة يعتبر في نظر قيم العقل مسيئا للإنسانية أو مترددا في إسداء الخدمات لها، لكن في هذه الحالة، أي الفكرية، يقع تأثير عميق على الكاتب، بحيث توقف أزمة المقروئية التفكير في المشاريع القادمة لكنها لا تلغيها، إذ يمكن اعتماد الترجمة كاحتجاج على ضعف القراءة مثلا في العالم العربي، المهدد بميل كتابه، وربما حتى مبدعيه، إلى الكتابة بلغة القراءة و المقروئية. ربما هذه الحالة تفسر في نظري لماذا يختار بعض مفكرينا بالمغرب الإنتقال من مجال التفكير النقدي أو حتى الفلسفي إلى مجالات الإبداع الشعري والروائي فماهي مبررات ذلك؟؟؟
3- المفكر و المبدع
هناك استياء في المجتمعات التي تقل فيها نسبة المقروئية حتى في صفوف النخبة نفسها، بمبررات شتى، بعضها ادعاء التخصص، والميل نحو ما عرف خداعا بالخبراء، كمرادف لمعنى المثقف، و قد انتصرت هذه الأطروحة بمحاولة تحويل النقد الأدبي إلى فعل إحصائي سوسيولوجي رغم أن العلوم الإنسانية نفسها لم تحقق العلمية الرياضية والتجريبية التي طالما طمحت لها، ولا يمكنها تحقيقها. مع هذه التعقيدات و الصراعات، يشعر المفكر بالحاجة لمتعة الكتابة الفنية الشعرية والروائية، التي تعرف انتشارا لا سابق له في المشرق العربي، و رجالات فكرنا ليلاحظون ذلك و يعايشونه برحلاتهم.
4- وسائل التواصل
ساهمت إلى حد ما في انتشار كل المحاولات التي تحتاج لتنقيح، أي فرضت ما يمكن تسميته، علانية التصحيح والتخلص من حرج الأخطاء، وهو ما سمح بتقاسم حتى الآراء حول الجميل و الردئ، لكنه شكل مجالات للتنافس والتحامل، سرعت في كثير من الأحيان بإجراءات النشر، وإن لم تضف جديدا من حيث نسبة المقروئية على مستوى المغرب، لكنها جعلت من الأدب مادة مستهلكة سريعة بحيث اضطر الشاعر لتقليص حجم القصيدة لكي تقرأ، واختلى الروائي بروايته ليجعل منها قصة قصيرة ضمانا لمقروئيتها، فحصل تداخل بين أنماط التفكير الأدبي، ورشحت حمولات الإلتباس فكرا و حتى إبداعا.