لو كان القرار بيدي، لحجبت الجائزة الكبرى المخصصة للفيلم الطويل. الجائزة الكبرى تمنح للفيلم المتكامل الذي توفر له سيناريو خطت سطوره بعناية فائقة، و إخراج متقن و تجسيد في المستوى. في دورة هذا العام، شاهد الحاضرون أعمالا غير مكتملة،لا يتوفر لأغلبها الحد الأدنى من مقومات جمالية. لو كان القرار بيدي، كنت لأقنع لجنة التحكيم بضرورة ركوب المغامرة ومنح جائزة أهم لهشام العسري لأنه مع كل النقائص التي اعترت عمله ظل وفيا لنهجه. القرار ليس بيدي، و لسخرية القدر أن الشريط الذي منح الجائزة الكبرى كادت لجنة الانتقاء أن تحرمه من المشاركة في طنجة. تابعوا معي الآن فصول هذه المفارقة، التي لا تحدث إلا في بلدان تحترف الهواية. لجنة انتقاء ارتأت في البدء أن لا تبرمج “مسافة ميل بحذائي”، و حين أحرز جائزة الأقصر في مصر تمت إضافته للقائمة. جاءت لجنة التحكيم في المهرجان، ومنحته الجائزة الكبرى وثلاثا من الجوائز الأخرى. بالنسبة لأمين الناجي، هو تتويج مستحق في غياب منافسة حقيقية. لجنة تحكيم الفيلم الطويل لم تكن في وضعية مريحة، لأن كثيرا من أشياء قدمت في طنجة تسيء للسينما واللجنة حاولت أن تتوج الأقل رداءة. هفوات بدائية تقنيا وحكائيا، وتعثر على مخرج أوصله اجتهاده وفهمه للسينما بأن الوثائقي هو الروبرتاج الممطط، وثان يعتقد بأن التطرق لقضية وطنية يعني التطبيل، وثالث اختتم المنافسة ترجى من ممثليه أن يستعرضوا ما يحفظونه. هناك تفاصيل لا تستحق منا أن نتوقف عندها، وفي آخر المطاف يسألون ويطلبون قراءة متأنية لأعمال لا تستحق ركناً واحداً برأسمال زمني من دقائق. على من يكذبون؟ ولم القيام بانتقاء أولي ما دام الفيلم المتوج كان قريبا من الإقصاء قبل بدء موعد طنجة؟ كيف تقصي عبد الكريم الدرقاوي لتشرك أشياء أخرى لا تستحق تسمية أفلام؟ لدينا كم قليل، وموعد طنجة فرصة لتقديم هذا الكم و انتهى الشطر الأول من الركن. نمر للشطر الثاني، ونخصصه لكذبة مارس.. يستقبلونه ويهللون لحضوره في كل مرة، ويعقدون عليه آمالا كثيرة لرفع الإيقاع. يصعد الأستاذ المنقذ حكيم بلعباس للخشبة، ويقول للخلق بتواضع كله تصنع بأن شريطه الذي سيعرضه على الأنظار لا علاقة له بالسينما. يتلعثم عن قصد، ويمنح الكلمة للرجل المسن الذي صوره لغرض غير فني نهائياً. يستعيد الميكرفون، ويضيف بأنه في هذه اللحظة بالذات عثر على تعريف للسينما. قمة الحمق، هي أن يتم الاستهتار بذكاء من يأتي ليشاهد ما اقترفته وتفتعل التأثر. أرفض شخصيا أن أصير ألعوبة في يد أناس يكذبون الكذبة، ويربحون التصفيق وبعدها يثقون بكذبتهم. حكيم بلعباس في “أشلاء” بنفس متكرر في أعمال أخرى. يبدأ عرض “ثقل الظل”، و أكتشف بأن صديقنا المنقذ حكيم بلعباس كان على حق. السينما بريئة من ظله الثقيل، وعمي علي يتحدث وبالكاد نسمعه. ثم تظهر الفتاة الصغيرة لتتحدث عن الحيوانات، وبحث عن بيع الوهم للمشاهد من خلال تقديم اللقطة العادية على أنها حاملة لرسائل قوية.قد يتساهل المتتبع مع مخرجين لا تنتظر منهم شيئا وفعلا لا يقدمون شيئا، لكن حين يتعلق الأمر بالتلاعب بالصدق وبيع الوهم للمشاهد،يلزمنا تذكير المعني بالأمر بأننا جميعا مستاؤون مما اقترفه.
غادرت القاعة يومها قبل أن ينهي المخرج إضعافه لفصائل مقاومتي، والتقيته أمام بوابة الروكسي وطبعا أسى يبعث على الأسى. الوثائقي عندنا يربط كثيرون معناه بالبكائيات، والجانب التوثيقي الذي يحرك المشاهد لا يعثر عليه نهائيا ولا داعي هنا لنقوم بمقارنات لم ولن تفيد في شيء. أفلام كثيرة عرضت، لا تستحق من مشاهدها أن يمنحها أكثر من نصف ساعة ليتأفف من مستواها الرديء. باختصار،هناك اجتهاد في تنظيم ليلتي الافتتاح والاختتام، ولو أنه كان بالإمكان أن يتفادى الوزير الوصي على القطاع خطبته الطويلة في الافتتاح والسكيتش العبيط المقحم في ليلة الاختتام. عادل الفاضلي الذي أخرج الحفل قام بعمل محترم، وكان بإمكانه أن يتفادى محاولة الإضحاك. الحفل المخصص للسينما، يجب أن يتضمن التفاصيل التي تخص السينما فقط. دعونا رجاء نعود ابتداء من يوم غد للسينما، وللناس الذين يحترمون السينما. من ضمن هؤلاء، صاحب الجائزة الكبرى للفيلم القصير كمال لزرق. هذا الشاب بإمكانه أن يقدم الكثير، واللجنة منحته حقه. هل انتبه الحاضرون له ولعمله بالشكل الكافي؟ ركن الغد نخصصه له، ولمساره ولشريطه المتوج. انتهى الشطر الثاني من ركن اليوم، وأغلب المتتبعين المناسباتيين سيعودون لجحورهم وشكرا للجميع.