في كتابه “الحداثة والهوية.. سياسة الخطاب والحكم المعرفي حول الدين واللغة”، الصادر مؤخّراً عن “المركز الثقافي العربي”، يعمل الباحث الأنثربولوجي عبد الله حمّودي (1945) على مقاربة إشكاليات تتعلّق بعلاقة الهوية بالحداثة والدين واللغة والجغرافيا والمصير المشترك.
ضمن أربع دراسات منفصلة من حيث مواضيعها، لكنها تصبّ في اتّجاه واحد، يسعى المؤلّف إلى التأسيس لمعرفة مستقلّة تخصّ المجتمع المغربي ومن ثم تعميمها على مجتمعات مغاربية أو مشرقية.
هنا، اعتمد الباحث في الأنثروبولوجيا، كما جاء في تقديم الكتاب، منهجاً “ينبني أوّلاً، وقبل كل شيء، على الشك الإيجابي الذي يمكِّن من نقد المسلّمات، ثم معاودة النظر المستدامة في الواقع وكيفية ربطها، ممّا يساعد على تفادي السقوط في الحلقات التأويلية المفرغة”.
يصوّب الأستاذ في جامعة برنستون في الولايات المتحدة سهام النقد والمساءلة إلى جبهتين في المجتمع المغربي؛ يسمّي الأولى “حداثية” والثانية “دعوية”، بدل “جبهة إسلامية”، وذلك “لسبب بسيط هو أن الإسلام دين الشعب عامّة، ولا يجوز احتكاره من طرف شريحة معيّنة”. يعتمد في تحليله، الذي يتوخّى منه الخروج من الثنائية المؤسّسة للجبهتين، على مفهومين صاغهما، هما “سياسية الخطاب” و”إنتاج الحكم المعرفي”.
يقف صاحب “الشيخ والمريد”، عند ما تمارسه “الجبهة الدعوية” نتيجة تصوّرات تصوغها حول من يعمد إلى تقديم موقف نقدي منها، فتصير إلى نعته بـ “معاداة الدين”، وهو السلوك نفسه الذي تنهجه الجبهة الحداثية، حين تنزع إلى اتهام خصومها بـ “معاداة الحداثة”.
ينبّه الباحث، إلى أن الحداثيين يصوّرون حداثتهم وكأنها مجرّدة تماماً من أي جانب عن أصالة الدعويين. عكس ذلك، يصوّر الدعويّون خطابهم وكأنه مفروز تماماً وفي كل جوانبه عن حداثة الحداثيين. وذلكم حسب حمودي، “لا مبرّر له، لأن آلية التجريد والفرز تستند إلى المقارنة وتحجبها في الآن نفسه”.
للخروج من هذه الثنائية، هناك مشترك للجبهتين؛ وهو مشترك ضخم من الممكن استثماره “من طرف جبهة توافقية موحدة إن قبلت الجبهتان المتنافستان استثمار المشترك، وتخلّيتا عن الثنائيات المُكبِّلة، وعن استراتيجيات الهيمنة”.
واستكمالاً لنقاش الثنائيات، خصّص الباحث فصول الكتاب الأخرى، لنقد خلفيات الخطابات المعرفية والنضالية حول الهوية الأمازيغية، مقابلاً إياها بخلفيات الخطابات في موضوع الهوية العروبية. يثير في هذا الإطار إشكالية “الأصل” و”الأصلية”؛ “فالأصل غالباً ما يروم إلغاء تعدُّد البدايات، ليحل محل بداية مطلقة”.
لذلك “لا بد من الانتباه إلى أن كل كيان بشري له بدايات وأصول متعددة”. هذا الأمر، ينطبق على الكيان المغربي، فهناك أصل أمازيغي سابق، وهناك أصل عربي لاحق و”بتمازجهما على مرّ القرون، تكوّن ما نسميه اليوم المغرب”. لذلك فالتمازج هو أصل المغاربة الأقوى، وبأخذه بعين الاعتبار، تظهر نسبية الهوية الأمازيغية كما العروبية.
عبد المومن محو