يكاد يجمع النقاد على أن دور الأدب يعتبر جامعا بين الخصائص الفنية والاجتماعية، وكان له تأثير قوي في المجتمع، خاصة في المرحلة التي سبقت ظهور الإنترنت والفضائيات والمواقع الإلكترونية، التي جعلت دور القراءة في العالم العربي منحصرا بين الكتّاب والمثقفين من جهة، وبين هواة المطالعة وقراءة الكتابات الأدبية من جهة أخرى.
من هنا جاء الاعتراض على ظهور نوع من الإباحية في الكتابة، لخروجها عن إطار الإبداع، وجهة النظر هذه تبناها الشاعر محمود درويش، والناقد غالي شكري، كلاهما تحدث في أعماله حول ماهية الجنس في الأدب، وكلاهما قال ما معناه إن الجنس في الأدب ليس أكثر من شيء استفزازي ينتقص من حيوية الأدب، وينال من إبداعياته، وإن معارضة وجود جانب جنسي في الأدب لا يعني معارضة الأدب كليا. بينما أيّد البعض الآخر ذلك، معتبرين أن الإباحية كغيرها من الموضوعات الموجودة في الحياة ويحق للكاتب تناولها كما اعتبروا معارضتها قمعا غير مبرر.
تقول سامية محرز، أستاذة الأدب المعاصر بالجامعة الأمريكية في القاهرة “يكشف الأدب سلوكيات وممارسات المجتمع، ورغم معارضة إباحية الأدب، إلا أنه في النهاية يعبّر عن حالة مجتمعية، قد لا تكون عامة ولكنها ملموسة، وتدرس أيضا مثلها في ذلك مثل الروايات البوليسية المشتقة من أدب الجريمة. لكن الكثير مما يكتب في هذا النمط يهدف إلى الربح والرواج، وهذا ليس من الأدب في شيء، لأنه يخرج عن إطار وظائفه، كما أن معارضته لا تنفي أهميته، وامتلاكه لسمات معينة، وقد تناول الأدب الإباحي وركّز على آثار مشاعر الإنسان الجنسية. البعض من الروايات والكتب اعتمدت على الصراحة والوضوح في مناقشة هذا الجانب، بينما عرضه بعضها الآخر بشيء من التحفظ، وبالأساس هناك أدب جيد وآخر غير جيد، والاثنان لا يرتبطان بوجود الجنس من عدمه.
وتضيف محرز “الروايات الممنوعة أو الأدب الإباحي بدأ بداية تجريبية عندما تناول الكتّاب الغربيون مناقشة قضية الذات الإلهية، بعدها جاءت الإباحية استكمالا لطريق العمق الأدبي، ورغم أن هذا الطريق نجح بما فيه الكفاية، لكنه ظل يلقى تشجيعا طيلة الوقت من أصواته المنادية به داخل المجتمعات، وأبرز ما تم تناوله من روايات ومؤلفات الأدب الإباحي، رواية”عشيق الليدي تشاترلي” للكاتب البريطاني ديفيد هربنت لورانس، الذي أكّد من خلالها أن الجنس من وجهة نظره معبّر حقيقي عن نشاط الإنسان، بل قد يكون هو هذا النشاط ذاته، سارت على هذا النهج روايات أخرى، أثارت ضجيجا كبيرا في الأوساط المجتمعية، لدرجة منعها من النشر والتداول، ولكن بمنطق نهايات الأشياء المحتومة، ثم تمت إزاحة المرحلة كلها لتحل محلها أخرى، اكتفت بالإشارة فقط إلى الجنس دون عمق، وطغى الأدب الرومانسي الذي يعبّر عن احترام المرأة وكيانها، إلا أن انزوت هذه المرحلة أيضا بظهور عدد من الكتّاب الغربيين أمثال فلوبير، الذين أعادوا علاقة الرومانسية بالجنس والرغبة”.
من جانبه يؤكد فتحي أبوالعينين، أستاذ علم اجتماع الأدب بجامعة عين شمس، أنه لا يمكن تسمية الجنس في الأدب بـ”الأدب الإباحي”، لكونه نوعا خاصا من أنواع الأدب، له تأثير قوي على المجتمع، وبعادة الأدب اقتحامه لكافة المجالات، وهو ما دفع البعض من الكُتَّاب إلى أن يتناولوا الجنس باعتباره جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان، ولا بد من مناقشته ومعالجته أدبيا، كما أن الجنس الأدبي من المواد التي تستحق تناولها كاملة، لأنها لا تتحمل التجزئة، ووجود محددات ينال من شموليتها وعموميتها، وتمنع معالجتها باعتبارها قضية أساسية من قضايا المجتمع، ومن ثم يعد تناوله للجنس نوعا من الإبداع، يمنحه الحق في الإشادة، وليس إباحية كما أسماها النقاد.
ويوضح أبوالعينين، أن الجنس في الأدب يعبر عن براعة الفن وقوته في الوصول إلى أصعب القضايا، بخلاف أنه وجود فلسفي يعبّر عن حيوية الأدب وكتاباته الراقية والرسائل التي يستوجب عليه إيصالها للعالم. البعض يعترض على كيفية التوصيل، ولكن الحدود كثيرا ما تنتقص من جودة القضايا المطروحة وأسلوب الطرح.
من جهة أخرى، ترى منى طلبة، أستاذة الأدب العربي بجامعة عين شمس، أن تناول العملية الجنسية في الأدب لا يمكن قبولها شكلا وموضوعا، حيث أنها تعبّر عن بعض الحالات السيئة المجتمع، وليس ضروريا على الأدب تناولها، وتسميته بأدب التنفيس ليس صحيحا، لأنه لا يقف عند هذا الحد، بل يصف الحالة كما هي بمحظوراتها، وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب “أدباء أمام المحاكم” للكاتب الألماني فيلكس سالتين، الذي اعترف بتأليفه للكتاب مرة ونفى مرة أخرى، ولكن ليس مهما من يكون كاتبه، بقدر أهمية ما تناوله الكتاب الذي تحدث عن فتاة امتهنت الدعارة منذ السنة السادسة من عمرها، كما تناولت قضايا أخرى شائكة، مثل نكاح المحارم والمثلية.
وتنوّه طلبة إلى أن الإبداع في الأدب ينسب لنوعية معيّنة من القضايا، ولكن التطرّق لتجربة يفترض أنها عادية لها علاقة بالتكوين البيولوجي للإنسان عموما، وشرح هذا التكوين لا يعدّ إبداعا على الإطلاق، كما أن حرية الفكر والفن لا علاقة لها بتناول الجنس أدبيا، إنما ترتبط بالمشاكل الأساسية التي يعاني منها الإنسان.