“عذارى لندنستان”

عذارى

تتخذ حنان الشيخ من “الجنس” و”الدين” موضوعين لروايتها الجديدة “عذارى لندنستان”، فترسم حكاية تجري أحداثها في لندن، لكن مع شخصيات عربية، لتناقش من خلالها اثنين من أكثر التابوهات العربية إثارةً للجدل، خاصة في السنوات الأخيرة مع ارتفاع حدة التشدد والانغلاق الديني والأصولية.

تستعيد الروائية شخصيتي روايتها “امرأتان على شاطئ البحر”، وهما امرأتان لبنانيتان في منتصف العمر، الأولى “إيفون” المسيحية، التي تعمل في مجال تصميم الإعلانات وتعيش في لندن، والثانية “هدى” المسلمة، التي تعمل مخرجة مسرحية وتعيش في كندا. تجمعهما من جديد في هذه الرواية، التي تقسمها إلى قسمين، واحد تجري أحداثه في إيطاليا حيث تجتمعان على شاطئ البحر وتتبادلان بعض الهموم والذكريات، وتعيشان مغامرتين عاطفيتين سريعتين، والقسم الآخر تجري أحداثه في لندن بعد سنة من لقائهما في إيطاليا، حيث تجتمعان لقضاء إجازة تتحوّل إلى مغامرة غير محسوبة النتائج.

ترصد الكاتبة من خلال الحوار الذي يجري في “السبيكرز كورنر” في حديقة “الهايد بارك” التعصب والفهم المتشدد للدين لدى بعض الأشخاص الذين ما زالوا يفكرون بعقلية متحجرة رغم عيشهم لسنوات في بلاد الغرب، إذ تجتمع الصديقتان هناك برجل جزائري خشن الملامح، وتدخلان معه في جدال طويل حول عدد من المواضيع، مثل الحجاب والحلال والحرام، وزواج القاصرات، ومكانة المرأة، وتنزعجان من رده العنيف على كل ما تقولانه.

تقرر “هدى” أن تلقن هذا الشاب درساً، وتفهمه أن العذارى موجودات على هذه الأرض أيضاً. ترى ملصقاً إعلانياً في منزل صديقتها “كانت الكلمات بالعربية وترافقها ترجمة بالإنكليزية حول علبة بيضاء مفتوحة وكأنها علبة مجوهرات تتوسطها حبة فراولة كأنها جوهرة، ترافقها كلمات تقول: لا تخافي عزيزتي الفتاة، لن يعرف سرك أحد، ما من طبيب يعيد لك عذريتك أو صيدلي يبيعها لك. الحل السحري لك هو شراء عذريتك من هذا الموقع”، تشرح لها “إيفون” عن هذا المنتج: “تحشر المرأة الفراولة هناك وحين يضاجعها العريس تنفعص الحبة ويسيل عصيرها كالدم القاني فيرتاح بال العريس لأن عروسه عذراء!”.

هكذا، تأخذ ست علب من هذا المنتج وتتجه لتنفيذ مخططها. توهم الشاب الجزائري “هشام” أنها متعبة، وبعد بضع حِيَل ترافقه إلى بيته وتغويه، فيمارس معها الجنس أربع مرات متتالية، وبين كل مرة وأخرى تدخل إلى الحمام لتغتسل وتضع حبة جديدة من المنتج، لتوهمه أن عذريتها تعود بعد كل ممارسة، وكأنها حورية من حوريات الجنة، فيما هو يقف حائراً لا يعرف سبب ما يحدث.

تكشف “الشيخ” عن أثر التزمّت والتربية القاسية في خلق مشاكل وعقد نفسية وجنسية كثيرة لدى الشخص سترافقه إلى أن يكبر، موضحة نتائج الكبت على سلوك الفرد، وكيف أن هذه الرواسب تظل معه حتى بعد اندماجه في مجتمع جديد. “إيفون” تعاني من أثر التمييز الذي كانت تمارسه أمها في تفضيلها لأبنائها الذكور عليها، وبعد أن كبرت صار همّ الأم الوحيد هو تزويج ابنتها من رجل مناسب. رافقها هذا حتى بعد استقرارها في لندن، إذ نجدها تعيش فراغاً عاطفياً كبيراً، وتتعلق بأي رجل عابر ساعيةً للاقتران به، مستخدمةً الحيل نفسها التي تستخدمها أي امرأة شرقية. “سارت إيفون مع لوتشو، لا ترى شيئاً ولا تسمع شيئاً، ينهشها القلق بأن الأمور قد لا تسير بينهما كما تشتهي. “هل نذهب إلى مطعم؟ ستكون ضيفي!”. وسرعان ما شعرت بالخجل من رواسب الماضي، وكيفية معاملتها للرجال. إنها تحاول شراءهم بالولائم والدعوة إلى المطاعم. لقد تربّت على مقولة “الطريق إلى قلب الرجل تمر من معدته”.

ترصد الكاتبة الفرق بين ممارسة الرجل الغربي للجنس، وممارسة الرجل الشرقي، وكيف ينظر كل منهما للمرأة، إذ تعيش “هدى” تجربتين جنسيتين، الأولى مع “روبرتو” الذي يعاملها بطريقة حضارية، ويجعلها تشعر بالنشوة والارتواء الجنسي، في حين أن “هشام” يرى فيها وسيلة تفريغ للشهوة، فيضاجعها دون مداعبات وقبلات. ترسم الروائية بذلك صورة للرجل الشرقي المتديّن، الذي يفهم الدين على هواه، ويجد فتاوى يبرر بها ما يفعله، إذ بعد أن تعود “هدى” إلى كندا، ولا توافق على الذهاب معه إلى الجامع لعقد زواجهما، نراه يلجأ إلى “إيفون” ويمارس الجنس معها دون زواج، معتبراً أن “الله سيرضى عني، فعلت خيراً معك، فأنت قد عانقت الإسلام ولو للحظات قصيرة”.

استطاعت حنان الشيخ أن تكتب رواية ملأى بالمفارقات الكوميدية، عالجت بها عوالم المتطرفين الذين هربوا من مجتمعاتهم الشرقية واتجهوا للعيش في أوروبا حاملين معهم إرثهم الديني وتشددهم، ليعاودوا إنتاج ما هربوا منه في بلدانهم.

ولدت حنان الشيخ في قرية أرنون في جنوب لبنان عام 1943، وبدأت في سن مبكرة نشر كتاباتها في عدد من الصحف والجرائد اللبنانية. لها عدد كبير من الروايات: “انتحار رجل ميت”، “فرس الشيطان”، “حكاية زهرة”، التي ترجمت إلى بضع لغات وحازت جائزة مجلة Elle الفرنسية، “مسك الغزال”، “بريد بيروت”، “امرأتان على شاطئ البحر”، “إنها لندن يا عزيزي”، “حكايتي شرح يطول” التي كتبت فيها حكاية أمها، ونالت عنها جائزة الرواية العربية التي يمنحها مجلس السفراء العربي في باريس، “صاحبة الدار شهرزاد”، وأخيراً: “عذارى لندنستان”. أصدرت أيضاً مجموعة قصصية بعنوان: “أكنس الشمس عن السطوح” وترجمت رواياتها إلى 21 لغة، من بينها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *