في هذا الحوار يكشف الباحث والناشط الأمازيغي، أحمد عصيد، عن ملابسات محاولات اغتياله من قبل التيارات الإرهابية، ويفصح عن مضمون اللقاءات التي جمعته مع كل من وزير الداخلية ومدير المخابرات المغربية. كما يؤكد موقفه المبدئي الداعم لمسالة الحريات الفردية، ويسجل ملاحظاته في شأن تطورات القضية الأمازيغية.
فاصل ثقافي: هل ما زلت تتلقى التهديدات من قبل التيارات الإرهابية؟
عصيد: نعم هذا الأمر أصبح نهجا مستمرا لتيار معين في المجتمع، وهو تيار يشكل أقلية صغيرة غير قادرة على الإقناع بالبرهان والحجة ومنطق الفكر، وهذا يتم تحت تأثير موجة دولية تتجاوز المغرب، بمعنى أن تزايد أساليب التهديد والتكفير هو فعل يقع تحت تأثير ما يجري في الشرق الأوسط، إذ أن هذا التأثير أصبح يطال العديد من بلدان العالم لاسيما الدول الأوروبية، وبالتالي أصبحت هذه البلدان مهددة بتزايد النزوع نحو العنف بشكليه الرمزي والمادي.
ولهذا أعتقد أن المثقف لا ينبغي أن يرضخ للعنف وليس من حقه التراجع، وعليه أن يتشبث بمبادئه والحرص على إذكاء الروح النقدية اتجاه كل الظواهر والأحداث التي تقع في مجتمعه.
فاصل ثقافي: بماذا تفسر الحملة الشديدة التي استهدفتك أنت بالذات لدرجة أن بعض الفقهاء المتشددين جعلوا منك موضوعا رئيسيا لحديثهم داخل المساجد وخارجها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
عصيد: السبب الرئيسي يرجع إلى سنة 2012 حيث أعلنت مرتين على التوالي شخصية السنة في مسابقات نظمتها بعض المنابر الإعلامية، ضمت أسماء شخصيات فكرية وفنية واقتصادية وسياسية من بينها على سبيل المثال عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة، عبد الحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب،…وفي نفس الوقت ذكرت العديد من المنابر الإعلامية الإلكترونية أنني الأكثر مقروئية ومتابعة من قبل القراء ورواد الشبكة العنكبوتية.
لقد شكل هذين المعطيين السبب الرئيسي في شن حملة شعواء ضدي، لأن انتشار ما أكتب وما أطرحه من أفكار، وتجاوب شريحة واسعة من المجتمع معه، لاسيما الشباب، أصبح مصدر إزعاج للسلطة وللتيار المحافظ.
فالمحافظون والسلطة لا يعيرون أي اهتمام إذا كانت دائرة انتشارك محدودة، وكتاباتك ليس لها صدى لدى الجمهور. فمباشرة بعد إعلاني شخصية السنة، بحوالي شهر، انطلقت الحملة الأولى عبر المساجد، ثم بعد ذلك، سنة 2014، حملة أخرى مماثلة كلها تكفير وتحريض على إهدار دمي.
الآن أصبحت أتلقى تهديدات مباشرة من قبل تنظيمات مسلحة من خارج المغرب، تنفق الكثير من المال من أجل اغتيال شخصيات مغربية، سواء مثقفين، فنانين، أمنيين وعسكريين. ولعل هذا يدل أن التيار المحافظ مستعد للقيام بكل شيء، بما فيها الأعمال الإجرامية، قصد التخلص من الخصوم الفكريين والسياسيين ليستفرد بالمحال العمومي وبالتالي يتمكن من ترويج بل فرض أفكاره المحافظة، لأن الهدف هو ممارسة الوصاية على المجتمع، أما الثقافة والفن والفكر النقدي هي عناصر مقاومة لهذا النوع من الهيمنة والوصاية.
فاصل ثقافي: أمام هذه التهديدات الجدية، هل أصبح أحمد عصيد يشعر بالأمان في وطنه؟
عصيد: أعيش حياتي بصفة طبيعة، وأشعر بالأمان. لكن بين الفينة والأخرى، أتخذ جملة من الاحتياطات، من قبيل تفادي الأماكن والفضاءات ذات الاستقطاب المفتوح والمكتظة بالناس، كما أعتذر أحيانا عن حضور بعض اللقاءات العمومية.
وقد سبق لوزير الداخلية أن استدعاني من أجل تنبيهي إلى خطورة بعض الخلايا المفككة التي كانت تستهدفني شخصيا، كما كان لي لقاء آخر مع كل من عبد اللطيف الحموشي، مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وعبد الحق الخيام مديرالمكتب المركزي للأبحاث القضائية، لإطلاعي على خطورة الوضع، وأمداني بمعطيات حول الخلايا الإرهابية التي جرى تفكيكها. آنذاك تملكني شعور بعدم الأمن والأمان. لكن هذا الإحساس تبدد حينما أصبحت أتلقى رسائل الدعم والمؤازرة من الأفراد والإطارات الجمعوية، حيث نظمت لفائدتي العديد من اللقاءات التكريمية، بل كنت ألتقي بمواطنين في الشارع وكانوا يبادرون بالتحية والتعبير عن مساندتهم لي.. وكل هذه المواقف النبيلة تشكل نوعا من العزاء وسط سياق التهديدات التي أتعرض لها من قبل التيارات الإرهابية، والتي هي في الأصل تهديدات جبانة تنم عن عجز سياسي وفكري مطلق لهاته التيارات الدموية.
فاصل ثقافي: ما هي قراءتك للأحداث الأخيرة المرتبطة بما سمي بـــ “قضية فتاتي إنزكان، مثلي فاس، وفيلم الزين اللي فيك…”؟
عصيد: المقصود هنا أن ما يحدث جاء نتيجة التطور الذي عرفه المجتمع المغربي، وهذا التطور أدى إلى الاصطدام بمجموعة من العوائق، منها عائق الطبيعة المخزنية للسلطة، ومنها ما يجري في الجوار الإقليمي، ومنها أيضا بعض التقاليد والعادات الموجودة في المجتمع. هذه العوائق كلها أدت إلى حدوث تصادم حتمي بين تيار حداثي ديمقراطي وتيار محافظ بخصوص مسألة الحريات الفردية. ويعود السبب الرئيسي في هذا التصادم بين التيارين المحافظ والحداثي، إلى جانب ما ذكرت، إلى كون المجتمعات الإسلامية لا تعترف بالفرد، وعدم الاعتراف بالفرد يجعل الجماعة تفرض وصايتها على الأفراد، وبالتالي تصبح الأولية للتقاليد الجمعية على حياة الأفراد وحقوقهم الأساسية.
ولهذا فالصراع حول اللباس، المثلية الجنسية ، والإبداع الأدبي والفني، وحرية المعتقد، هو في نهاية المطاف صراع حول الحريات الفردية. بالنسبة لي نحن مطالبون بالسير في اتجاه النضال من أجل الاعتراف بالفرد باعتباره قيمة عليا وجعل القوانين تحترم الحريات الأساسية للأفراد، لأن عدم احترام الفرد يجعل المجتمع تقليديا وجامدا وغير قادر على التطور. كما أن عدم احترام الفرد، بالنظر إليه كقيمة فكرية وفنية، يحول دون تفتق وتطور ملكة الإبداع لدى أفراد المجتمع، وبالتالي فإن فرض الوصاية والحجر على الأفراد لن ينتج عنه سوى مجتمع متكلس وعاجز عن الإبداع والابتكار.
فاصل ثقافي: في خضم النقاش العمومي المواكب لحرية التعبير والحريات الفردية، اعتبر بعض المتتبعين أن الإطارات والفعاليات التي عبرت عن احتجاجها في ملف الحريات الفردية تمارس نوعا من النفاق، وتتعامل مع قضية الحريات بشكل انتقائي، إذ أنها لا تبدي أي موقف ولا تقوم بأي مبادرة حينما يتعلق الأمر بخروقات الدولة إزاء الحريات السياسية والنقابية وحرية إبداء الرأي كما هو الشأن مثلا بالنسبة لقضية إعتقال رسام الكاريكاتير خالد كدار، ومنع الصحافي علي المرابط من إصدار جريدة ومصادرة حقه في الحصول على وثيقة إدارية، والهجوم على مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان…؟
ما تعليقك على هذا الموضوع؟
عصيد: أعتقد أن الناس يعطون الأولوية لما ينبع من المجتمع أكثر مما يصدر عن السلطة. فالاعتداء على الجمعية المغربية أو على المرابط أو أنوزلا وغيرهم..هو فعل تقوم به السلطة، بينما الاعتداء على فتاتي أكادير ومثلي فاس هو فعل صادر عن تيار في المجتمع، وهذا يوضح أن الفاعلين يضعون ضمن أولوية الاعتبار وما ينبغي التصدي له هو ما ينبع من المجتمع. لماذا؟ لأن رد الفعل المحافظ بإمكانه الهيمنة عن الوضع كله، وبالتالي تحويل البلد إلى سجن كبير، بينما رد فعل السلطة قابل للتراجع في حالة ما دخل الفاعلون في صراع معها وإرغامها، على المديين المتوسط والبعيد، على تبني المقاربات الحقوقية وتصحيح أخطائها. لكن الأخطر هو ما يأتي من عمق المجتمع إذ يصعب التحكم فيه.
فاصل ثقافي: بالموازاة مع الحركات الاحتجاجية المنظمة من طرف المجتمع المدني، ما هو تقييمك لموقف الفاعلين السياسيين الذين يدعون الدفاع عن قيم الحداثة؟
عصيد: الفاعلون السياسيون بالمغرب جرى ترويضهم إيديولوجيا بسبب صراعات سابقة أدت إلى انتصار السلطة وإنهاك الأحزاب السياسية، وهذا تمخض عنه بروز طبقة سياسية يمكن وصفها بالذيلية، وهي طبقة لا تملك القدرة على المبادرة وتفتقر إلى فكر سياسي، وكل ما لديها هو فقط تقنيات سياسية تستعملها للولوج إلى الانتخابات والصراع من أجل الكراسي.
هؤلاء السياسيون يوجدون في وضعية انتظار دائم للإشارات الصادرة عن الأجهزة العليا للدولة، بمعنى أن جميع الأحزاب تسبح بمدح السلطة وتعيش على التبعية التي تشكل المصدر الوحيد لشرعية وجودها. فلو خيرنا أي قيادة حزبية هل تريد رضى القواعد أم رضى الملك، فإنها ستختار رضى الملك وتضحي بالقواعد، لأن كل حزب يعتبر أن نجاحه هو أن تكون له مكانة بجانب الملك أو يكون مقبولا من طرف القصر. وهذا يدل على الانتصار الساحق للسلطة وعلى إنهاك الحياة السياسية وإفراغها من أي مضمون جدي. فالحياة السياسية الحقيقية هي التي يكون فيها سياسيون حقيقيون ويتنافسون منافسة حقيقية، ويكون فيها أيضا أحزاب طلائعية قادرة على تحريك الجماهير.
فبنكيران الذي يدعي أنه يمثل الشعب، هو في الواقع لا يمثل شيئا، وحزبه لم يحصل سوى على مليون وعشرين ألف صوت من أصل 23 مليون صوت من المغاربة الذين هم في سن التصويت، وهذا لا يتعدى 2 إلى 3 بالمائة. كما أن الكتلة الناخبة، التي تقارب 6 مليون ونصف المليون ناخب وناخبة، لم يحصل منها إلا على ربع الأصوات، أي حوالي 26 بالمائة وبالتالي لا يسمح له بادعاء تمثيل الشعب.
لذلك فإن غياب الشرعية الشعبية لدى الأحزاب يجعلها تتمسك بأهداب السلطة والاستقواء بها، وانتظار التعليمات التي ستوجه هذا الحزب في هذا الاتجاه، وتكليف ذاك الحزب بهذه المهمة أو تلك، وغيرها من الأمور التي تنسج على هذا المنوال.
فاصل ثقافي: هل يمكن الحديث على رهان ثقافي لتسييد قيم التنوير، العقلانية، الديمقراطية والحداثة في المغرب؟
عصيد: الرهان الثقافي في المغرب تم إجهاضه منذ بدايات الإستقلال من طرف السلطة، التي كانت بسبب طبيعتها اللاديمقراطية والاستبدادية، تعتبر أن الفعل الثقافي يشكل خطرا عليها، لهذا حاربت العمل الثقافي باعتباره فعلا نقديا وتبنت ثقافة بالمعنى الذي يتلاءم مع منظورها وأهدافها، فكرست ثقافة الخضوع، ثقافة اللامساواة، ثقافة القبول بمبدأ الطاعة للحاكم، ثقافة الاجماع وضرورة الانخراط في الجماعة عوض التميز بموقف نقدي. السلطة كرست ثقافة تتعارض كليا مع القيم الكونية وقيم الحرية والمساواة والكرامة. لهذا السبب تم تهميش نخب ثقافية بكاملها وإقصائها من المقررات التعليمية ومن الإعلام. وفي المقابل جرى التركيز في المنظومة التربوية على نشر قيم مضادة لما تطمح إليه النخب النيرة في المجتمع. فمنذ ذلك الوقت لم يعد الشأن الثقافي يهم السياسيين، وأصبحت الأحزاب السياسية تضع الثقافة ضمن آخر اهتماماتها، وتعطي الأولوية للاقتصاد الاجتماعي والسياسي، لكن في دائرة ما تريده السلطة العليا. وهذا أدى إلى نتيجة خطيرة تتمثل في سيادة ممارسة سياسية بدون عمق سياسي، وبدون فكر. وحينما تصبح السياسة بدون فكر فإنها تصبح سياسة عمياء، لأن الأحزاب السياسية تغتال نخبها الثقافية أو تقيلها أو تبعدها لأن هذه النخب تصبح مصدر إزعاج، وبالتالي يتم اختزال السياسة في لعبة الانتخابات.
فاصل ثقافي: يبدو القول بإرجاع المسؤولية للسلطة في إضعاف الفعل الثقافي وإقصاء النخب الثقافية المستنيرة هو مجرد تبرير لعجز هذه النخب عن المقاومة والمبادرة، بل والتواطؤ أحيانا مع السلطة ذاتها لخدمة أهدافها؟
عصيد: المثقف ليس عاجزا بطبيعته، والمجتمع المدني ليس عاجزا بطبيعته، والأحزاب ليست منهكة بطبيعتها. هناك فاعل رئيسي أنهك الأحزاب، وأضعف المجتمع المدني، وحاول أن يحد بدرجة معينة الفعل الثقافي. بدون هذا التفسير لن نفهم الكثير مما جرى ببلادنا. نحن في بلد لم يحقق الانتقال نحو الديمقراطية، ولهذا السبب لا يمكن أن نحاسب الجمعيات أو المثقفين أو الأحزاب إلا باستحضار الاستبداد الذي يشكل معضلة حقيقية في بلدنا. هناك من يمسك بكل الخيوط ويتحكم فيها، وهو المسؤول الرئيسي، فيما الآخرون يتحملون المسؤولية ولكن بدرجات متفاوتة أو بدرجة أقل. على الجميع أن يعترفوا بعجزهم، لكن يجب أن يكون هذا الاعتراف مقرونا بتحديد المسؤول الأول عن هذا العجز تحديدا بالإسم والصفة.
فاصل ثقافي: هل يمكن الحديث في المغرب عن مشاريع ثقافية متكاملة ومندمجة تتضمن ترويج الكتاب والمنجزات الفنية، النشر، الإعلام الثقافي..؟
عصيد: نعم يمكن الحديث عن مشاريع ثقافية في المغرب، سواء كانت مؤسساتية أوخاصة. وهذه المشاريع تتفاوت من حيث الإشعاع وذلك حسب الإمكانيات المتاحة، وهي تمثل بصيص أمل.
ولعل المبادرات الخاصة هي في حاجة إلى الدعم والرعاية من طرف الدولة، وبحاجة على أن يلتف حولها الناس لكي تستمر. ويجب التأكيد على كون التظاهرات والأنشطة التي تنظمها الإطارات الثقافية هي مدرسة موازية للتنشئة الاجتماعية، خاصة بالنسبة للأطفال واليافعين، إذ بإمكان نشاط أو تظاهرة ما أن تطبع حياتهم وتوجه مسارهم الأدبي أو الفني وفتحه على آفاق رحبة، كما أنها تشكل فضاءات لاكتشاف وطرح أفكار جديدة.
لذلك وبالنظر إلى صعوبة الاستثمار في المجال الثقافي في بلادنا، فإن المبادرات المرتبطة بهذا المجال تستدعي التشجيع والدعم الحقيقي المادي والمعنوي.
فاصل ثقافي: هل أنت راض عما تم تحقيقه من مكتسبات وتراكمات في ملف الأمازيغية، خاصة بعد إقرار اللغة الأمازيغية في الدستور كلغة وطنية؟
عصيد: نحن راضون عن المستوى القانوني، لأن الأمازيغية أصبحت رسمية في القانون الأسمى للبلاد، وهذا كان من اكبر مطالبنا. لكن نحن غير راضين عن مستوى التفعيل الذي يظل غائبا إلى حد الآن. عمليا ما زال العمل قائما بدستور ما قبل 2011. هذا الدستور الذي جاء عبارة عن تسوية ظرفية في سياق خاص هو سياق انتفاضات شعبية في تلك المرحلة، لكن بعد ذلك بدأت السلطة تحاول استعادة ما تسميه هيبتها التي هي في الواقع الاستبداد بكل خصائصه المتمثلة في السلطوية، التحكم والرقابة.
فاصل ثقافي: ماذا عن دور الفاعلين، كأفراد وهيئات، في هذا الملف؟
عصيد: الفاعلون الأمازيغيون بعد 2011، أبدعوا العديد من الأشكال النضالية من أجل الضغط، من بينها “توادة” أي المسيرة الوطنية التي نظمت أربع مرات في عدة مدن من أجل المطالبة بتفعيل مضامين الدستور، وانجاح مأسسة الأمازيغية.
بالإضافة إلى هذا كانت هناك مرافعات كثيرة، سواء مع الأحزاب السياسية، البرلمان أورئاسة الحكومة. كما تم إنجاز وثائق عديدة قدمت كمقترحات، ونظمت عدة لقاءات، إذ في سنة 2013 نظم 13 لقاء حول القانون التنظيمي للأمازيغية بمشاركة إطارات مدنية وأكاديميون في مختلف مناطق المغرب. غير أن كل هذه الجهود لم تنجح في تسريع وتيرة وضع قانون تنظيمي للأمازيغية وتفعيل الطابع الرسمي لها.
فاصل ثقافي: كيف تقيم مستوى البحث الأكاديمي المرتبط بالأمازيغية؟
عصيد: البحث الأكاديمي في الأمازيغية عرف طفرة نوعية بفضل مؤسسة عمومية رسمية، تتبنى هذه الأبحاث، وهي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فبفضل وجود مؤسسة وميزانية تطورت الأبحاث بشكل كبير، وبصفة عملية وإجرائية. فقبل 2001 كانت الدراسات والأبحاث حول الأمازيغية توجد في الجامعات، وكانت ضئيلة جدا، لأن الأساتذة الجامعيين لم يكونوا يقبلون الإشراف على الأطروحات المتعلقة بالأمازيغية، بمعنى كان هناك ميز وعنصرية، للأسف الشديد، داخل الجامعة المغربية.
ويكفي أن أشير إلى أنه خلال 30 سنة أنجز 30 كتابا حول الأمازيغية، أما الآن ومنذ 2003 تم انجاز أزيد من 300 إصدار من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مختلف حقول المعرفة، مما يدل على حدوث نهضة بسببها تم إدراج الأمازيغية في التعليم. ومن المؤكد أن إدراج لغة ما في التعليم يؤدي إلى تنشيط جل المجالات المتعلقة بهذه اللغة لكي تستجيب للمدرسة. فالمدرسة تشكل سوقأ لرواج البحث والتجربة في مجال معين.
من جانب آخر جرى فتح مسالك وماستر للأمازيغية في الجامعة، وهذا أدى إلى تشجيع البحث، وساعد على بروز جيل جديد من الشباب الباحثين في الأمازيغية بالطرق العلمية الحديثة. إلى جانب ذلك تم تكوين 14 ألف مدرس ومدرسة للغة الأمازيغية في ظرف 3 سنوات، وهو مجهود جبار. هؤلاء المدرسون طوروا تجربتهم وأنجزوا الكثير من الحوامل البيذاغوجية، منها نصوص أدبية للأطفال، وأعمال ومشاغل فنية بما فيها الموسيقى والكورال.
بهذه الإنجازات دخلت الأمازيغية عصر التدوين، وهذا الأمر يتطلب إحداث معاجم لغوية. وللإشارة أذكر أن المعجم الأمازيغي يتضمن الآن 24 ألف كلمة. وتتطلب هذه النهضة كذلك الاشتغال على أنطولوجية الأدب، بمعنى جمع وتدوين الأثر الأمازيغي الشفهي والمكتوب من شعر وأمثال مع تشجيع الإبداع في الرواية والشعر الحديث وغيرهما من الأجناس الأدبية والفنية الأخرى.
أيضا يجب تسجيل ما تم تحقيقه على مستوى التوثيق بعدما أصبحنا نتوفر على مركز للتوثيق يغتني سنويا بمئات الكتب والمراجع.