أحمد عصيد
قد يكون من سوء حظنا أن لنا حكومة لم تنجح في تحقيق أمالنا في النهضة والخروج من التخلف، وهو أمر لا يصدمنا لأننا تعودنا عليه منذ عقود، لكن أن يكون لنا رئيس حكومة كالذي يرتبط إسمه باسم بلدنا هذه الأيام يعدّ كارثة وطنية، ولعنة لا ندري كيف أصابتنا نحن الشعب الطيب، والبلد الآمن.
لم يسلم من عربدة رئيس حكومتنا حتى الأجانب، فقد زارنا مؤخرا المفكر المصري سيد محمود القمني، وكنا سعداء بلقائه والحديث إليه، لنكتشف فيما بعد على لسان رئيس حكومتنا أنه مجرد “بهلوان قادم من مصر، ويعتقد من جاء به أنه مفكر” (كذا (!. وهو كلام موجه أساسا للخصوم السياسيين لحزب الرئيس، في تصفية مكشوفة لحسابات صغيرة، لا تشغل المغاربة الذين ما زالوا ينتظرون وعود الرئيس التي أمطرت جرادا وعقارب.
طبعا سيكتشف الناس أن سيد القمني ليس شيئا آخر غير ذاته، المفكر الأصيل الصادق مع نفسه ومع الناس ، كما سيكتشفون مقدار جهل رئيس حكومتنا وصفاقته وقلة ذوقه، هو الذي نحن متأكدون أنه لم يقرأ كتابا واحدا للضيف المصري، لكي يحكم عليه إن كان مفكرا أم لا.
ما قاله المفكر المصري واضح لا غبار عليه، أثبتته الوقائع المتتالية، وأكدته الأحداث المتعاقبة، بما لم يعد يدع مجالا للشك لدى العقلاء من الناس، في سياق أصبح فيه المسلمون يعيشون إحدى أحلك مراحل تاريخهم المليء بالنكسات والكوارث .
قال سيد القمني ما أكدته نخب نيرة من المفكرين على مدى القرن العشرين بكامله: أن الإسلام دين وليس دولة، ولا نظاما في الحكم، وأن إقحام الدين في السياسة أدّى ويؤدي إلى دوام الاستبداد والفساد وشيوع الفتنة والتباغض بين الناس، وأن ما ينعته كتاب تيار الإسلام السياسي بـ”العصر الذهبي” للإسلام كان سلسلة من الحروب والمذابح والفتن التي كان سببها توظيف الدين في المآرب السياسية والرغبة في تحويله إلى دولة وسلطة وغلبة، مما أدى منذ بداية تاريخ الإسلام إلى دواه لا حدّ لها ولا حصر، جعلت تاريخ الدولة الإسلامية حالة طوارئ دائمة ما زالت تلقي بظلالها على حياة المسلمين حتى اليوم.
هذا ما قاله سيد محمود القمني، ويستطيع القارئ اللبيب أن يتحقق منه بإلقاء نظرة على أمهات كتب تاريخ الإسلام وتاريخ دولة الخلافة، ليتأكد بنفسه، وليكتشف الأسباب الحقيقية التي جعلت رئيس حكومتنا يصبّ جام غضبه على المفكر المصري، الذي فضح المستور وهو يكشف عيوب “الإخوان” ومهازل منظريهم التي أضحكت العالم.
لم يقل سيد القمني ما قاله منظر حزب رئيس الحكومة السيد الريسوني، وما قاله رئيسه القرضاوي الذي بايعه حزب رئيس حكومتنا “إماما للأمة”، عندما دعيا شباب المسلمين إلى القتال في سوريا، وجعلا بلديهما يحتلان رتبة “مشرفة” في تصدير الإرهابيين، وهو ما لم يعتذرا عنه حتى الآن رغم ما آلت إليه الأمور من أوضاع مأساوية، جراء تهور فقهاء “اتحاد علماء المسلمين” وانعدام التبصر لديهم، وتفضيلهم عائدات البترول على نهضة شعوبهم.
لم يقل القمني ما قاله أحد ضيوف “حركة التوحيد والإصلاح” من الوهابيين السعوديين خلال ما سمي بـ”ربيع القيم” الذي نظم بالرباط، ونشرت الصحافة المغربية تغطية لأشغاله، عندما دعا دون أي احترام للبلد المضيف إلى التراجع عن مكتسبات المرأة المغربية في مدونة الأسرة، واعدا بتخصيص مليوني دولار ونصف لنشر “القيم الإسلامية” بالمغرب (مرحى !)، مستخفا بالخيار الديمقراطي الذي يعدّ من ثوابت الوثيقة الدستورية المغربية.
لم يقل القمني ما قاله صحفي الجزيرة، الذي شتم المغاربة ونعتهم بأقذع الصفات مبينا عن “أخلاق عالية”، والذي نشر موقع حزب المصباح غسيله الوسخ في إعلامه الرسمي باعتزاز وفخر.
لم يقل القمني شيئا مما يروجه ليل نهار دعاة الفتنة من أتباع رئيس حكومتنا في العديد من المساجد، في معاكسة واضحة لتوجهات الدولة المغربية والتزاماتها، قال فقط أن الوهْم الكبير الذي عاش فيه المسلمون طوال أربعة عشر قرنا، وهْم الدولة الدينية، قد انتهى إلى خواتم غير سارة ولا سعيدة، وأن عليهم أن يأخذوا بأسباب التقدم كما أخذت بها الأمم المتفوقة والمزدهرة، والتي عرفت كيف تميز بين الدين بوصفه اعتقادا شخصيا للأفراد ترعاه الدولة وتحميه، وبين أساليب التسلط والغطرسة باسم السماء.
من هو المفكر ومن هو البهلوان؟ أعتقد أنه قد توفرت للقراء بعض عناصر الإجابة، التي يمكنهم استكمالها بمزيد من القراءات لنصوص المفكر،، أما البهلوان فهو لم يكتب شيئا، لأن مهنته إضحاك الجمهور، واللعب بالكلمات.